الثلاثاء، فبراير 23، 2016
2/23/2016

موقع "شالة الأثري" : مختصر الحضارات الأمازيغية والرومانية والإسلامية


Rabat City 24
لا يمكن للسائح أن يمر بالعاصمة المغربية الرباط دون زيارة منطقة شالة التي تعتبر عروس المعالم التاريخية الموجودة في هذه المدينة. 
وترجع بعض الدراسات اسم «شالة» إلى الاسم القديم لنهر «سلا»، وهو الذي يسمى الآن نهر أبي رقراق. وهكذا يكون هناك تبادل للأسماء وللأدوار، ذلك أنه في مرحلة لاحقة اتخذت مدينة سلا هذا الاسم من مدينة شالة الرومانية، كما تشير الدراسات.
فقد أقيمت مدينة شالة في العهد الإسلامي على أنقاض بعض الأطلال الرومانية، وإن المدينة الرومانية كان اسمها الأصلي «سلا كولونيا»، ويرجع تاريخها إلى قرنين قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام. وحظيت في العهد الروماني بأهمية دينية وتجارية، إ ذ كانت تنتصب في هذه المدينة الرومانية الأسواق والحمامات، ومصانع التماثيل، ويخترق المدينة شارع رئيسي، وعلى جنباته بعض المحلات التجارية.
ولازال تمثال زوجة أحد ملوك الرومان، وهو جوبا الثاني موجودا في القلب من الآثار الرومانية، غير أن ما بقي منه في هذا المكان هو نصفه التحتي، ولا يزال سليما، فيما نقل النصف الفوقي إلى متحف الرباط، قرب مقر الإذاعة والتلفزة.
وظلت هذه المنطقة ذات جاذبية خاصة لعدة قرون، ومازال موقعها الجغرافي وفضاؤها الخلاب يثير شغف السائحين الذين يتوافدون عليها من كل حدب وصوب.
وتتربع شالة على ضفة نهر أبي رقراق الذي يفصل الرباط عن جارتها مدينة سلا ويصب في البحر المتوسط.
وفي القرن السادس قبل الميلاد، كانت شالة عبارة عن مدينة صغيرة شهدت تطورات متباينة من عصر إلى عصر، قبل أن تصبح مقبرة لبعض الملوك، وتضمن المكان في ذلك الحين مسجدا وأماكن للوضوء تحولت فيما بعد إلى بحيرة صغيرة للأسماك لا تزال قائمة حتى الآن.
اعتمدت شالة في بداية التاريخ الإسلامي للمغرب حصنا دفاعيا ورباطا للمجاهدين ضد القبائل البرغواطية، وكان ذلك في القرن العاشر الميلادي. وحظيت المدينة بالاهتمام في عهد الدولة المرينية، إذ جعلت مقبرة للأسرة الملكية.
ويجد الزائر للقلعة على لوحة تعريفية في مدخل بوابة شالة أن السلطان المريني أبو يوسف يعقوب اتخذ سنة 1284م من الموقع مقبرة لدفن ملوك وأعيان بني مرين، إذ شيد مسجدا ودارا للوضوء وقبة دفنت بها زوجته أم العز.
وبنى ابنه السلطان أبو عنان المدرسة القرآنية، شمال المسجد، وأضاف الحمام، وأسبغ على أضرحة أجداده القبب المزخرفة. أما خلال السنوات الماضية، فقد أصبحت شالة ملاذا للأسر ولسكان العاصمة الرباط، حيث يذهبون إليها بعد ظهر كل يوم جمعة لقضاء أوقات ممتعة وسط طبيعة هذا المكان المعروف بجماله واتساع مساحته.
وكل ما بداخل شالة، التي تمتد مساحتها للعديد من الهكتارات، يغري بالزيارة من أشجار شاهقة تعود إلى عدة قرون وأسوار تشهد على حقب تاريخية 
متميزة مرت بها هذه المنطقة.
ويذكر بعض المؤرخين أن الفينيقيين اختاروا الموضع الذي تشغله شالة الواقعة جنوب الرباط الحالية كأول نقطة للماء قابلوها قرب المصب التي أصبحت عاصمة الفينيقيين، وكانت هذه المنطقة بمثابة المركز التجاري للفينيقيين في المغرب الأقصى.

برز اسم سلا في العصر الروماني، وفي المنطقة المحيطة والمجاورة للرباط التي أنشئت في العصر الإسلامي.واستمرت سلا القائمة قبالة موضع الرباط الحالية مزدهرة في العصر الروماني، وحدث أن تقلصت مكانتها بعض الشيء عند ظهور الوندال، ولم تلبث أن استعادت مكانتها في العصر البيزنطي. كانت شالة أهم المدن التي ارتبط بها موقع المدينة التي ستسمى فيما بعد برباط الفتح تاريخيا التي كانت حتى ظهور دولة المرابطين مجرد منطقة فضاء تقع شمالي مدينة شالة وترتبط بها إداريا وتاريخيا. وبلغت شالة أوج عظمتها في أوائل القرن الثالث الميلادي، إذ كانت المرسى الوحيدة للمراكب الشراعية الرومانية التي تمد الرومان بسائر غلالها الزراعية وتستجلب منها أنواع المتاع وضروب المصنوعات الرومانية .


ويقول باحثون في علوم الآثار والتراث بالمغرب إن مدينة "شالة" (أو سلا قديما) كانت مركزا تجاريا مهما، شيدت أجزاء مهمة منها خلال القرون الأولى للميلاد، على منوال المدن الرومانية القديمة، وأن حدودها الجغرافية كانت شاسعة وممتدة إلى حدود الشاطئ الأطلسي، إلا أن المعلومات التاريخية عن هذا الموقع تبقى محدودة؛ بسبب انحسار الأبحاث وتوقف الحفريات الأركيولوجية، ما يجعل -حسب هؤلاء- قسما أساسيا من تاريخ المنطقة وخصائصها مجهولا لدى الدارسين.
 
ويُعد موقع شالة الأثري مزارا سياحيا مهما يتوافد عليه العشرات من السياح الأجانب والمغاربة يوميا، ولكنه في ذات الآن يرتبط في الذاكرة الشعبية المغربية بعدد من الأساطير والخرافات، جعلت منه مكانا مقدسا يأوي أضرحة الشرفاء والأولياء، ومزارا عجائبيا تقصده بعض النسوة طلبا لقضاء ما استصعب عليهن من حوائج.


0 التعليقات:

إرسال تعليق